تحليل الآفاق الاقتصادية للمملكة العربية السعودية

قام صندوق النقد الدولي بتحديث توقعاته المستقبلية للإقتصاد السعودي يوم الثلاثاء 16 أبريل 2024، ورفعها بنحو 0.5% لتصبح 6% للعام 2025، بعد تقديراته السابقة بنمو بنحو 5.5% بداية عام 2024. وترتكز هذه التوقعات الاقتصادية الإيجابية على النمو المتوقع للاقتصاد السعودي في الأنشطة الاستثمارية في القطاعات غير النفطية. وكان صندوق النقد قد أشار إلى أن النشاط غير النفطي سيسهم بشكل رئيسي في النمو الاقتصادي السعودي. 

وأتى تقرير صندوق النقد الدولي إيجابيًا على الرغم من التصريحات السلبية التي توقعت عدم تجاوز النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 2.7% بسبب عدم الاستقرار الجيوسياسي والحروب المتصاعدة في المنطقة. وسبق أن أصدر صندوق النقد الدولي، في يناير/كانون الثاني 2024، تقريرا رفع فيه توقعاته لنمو الاقتصاد السعودي بنحو 1.3% إلى 5.5% خلال عام 2025، بعد أن كانت 4.2% في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وبالإشارة إلى بعض الحقائق حول الاقتصاد السعودي، يعتبر واحداً من أكبر عشرين اقتصاداً في العالم، ويأتي في الترتيب السابع عشر على وجه التحديد، كما أن المملكة عضو دائم في مجموعة العشرين. ويعدّ اقتصاد المملكة الأكبر في العالم العربي وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. والمملكة عضو دائم وتلعب دورًا قياديًا ضمن "أوبك" نظرًا لأنها أكبر مصدر للنفط في العالم. وبالإضافة إلى ذلك، تتفرد المملكة بامتلاك ثاني أهم الموارد الطبيعية في العالم، بقيمة إجمالية تبلغ 35 تريليون دولار (وفقًا لتقرير صندوق النقد الدولي).

وبينما يشارك الخبراء توقعاتهم للاقتصاد السعودي في عام 2025، عليهم أن يلحظوا سياسة المملكة في زيادة اعتمادها على النمو الاقتصادي في القطاع غير النفطي. وهذا على الرغم من أن بعض الاقتصاديين أشاروا إلى أن التباطؤ في تنفيذ المشاريع الاستثمارية الكبرى للمملكة 2030 سيسهم في تباطؤ الأنشطة غير النفطية، ومع هذا الافتراض فإن تقرير صندوق النقد الدولي يؤكد أن الاقتصاد السعودي سينمو بشكل أعلى مما كان متوقعًا في السابق لعام 2025.

وجاءت الزيادة المتوقعة في النمو الاقتصادي في تقرير صندوق النقد الدولي مع أخذ التأثير المحتمل للعديد من حالات عدم اليقين العالمية والإقليمية والمحلية في الاعتبار ، والتي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على اقتصاد المنطقة؛ ويتعلق أكبرها بالأزمات الجيوسياسية العالمية، والصراع المستمر والتهديدات في منطقة الشرق الأوسط بين (التوتر الحالي بين إسرائيل وإيران) والسياسة النقدية غير الواضحة في الولايات المتحدة.

وفيما يتعلق بإيرادات قطاع النفط السعودي، هناك ارتفاع في إنتاج النفط خارج منظمة "أوبك"، حيث وصل إنتاج النفط الخام الأميركي إلى مستويات قياسية في الأشهر الأخيرة. وتسببت هذه الزيادة في الإنتاج في الضغط على أسعار النفط في أواخر عام 2023 ودفعت كبار منتجي "أوبك"، وخصوصًا المملكة العربية السعودية، إلى خفض الإنتاج للحفاظ على ارتفاع أسعار النفط الخام. ولكن في ظل الأزمات الجيوسياسية الحالية، كما هو الحال في الشرق الأوسط وأزمتي أوكرانيا وروسيا، قفزت أسعار النفط إلى مستوى غير متوقع استفادت منه الخزانة السعودية بشكل كبير. وارتفعت عائدات النفط السعودي بشكل كبير نتيجة لارتفاع أسعار النفط الذي عوّض انخفاض الإنتاج. ويتم تداول النفط الخام حاليًا فوق مستوى 83 دولارًا للبرميل.

علاوة على ذلك، فيما يتعلق بتأثير السياسة النقدية، تمحورت التوقعات في السابق حول مباشرة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بخفض أسعار الفائدة الرسمية في وقت مبكر من منتصف عام 2024 مع استمرار التضخم في الانخفاض نحو هدفه البالغ 2٪. ومع ذلك، وفقًا للتقارير الاقتصادية الجديدة الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي مؤخرًا، لا يزال التضخم مستمرًا، وربما يتأخر التخفيض المتوقع لسعر الفائدة قصيرة الأجل في الولايات المتحدة أكثر. وذلك لأن أحدث البيانات الاقتصادية الصادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي أظهرت أن تخفيضات أسعار الفائدة ستبدأ على الأرجح في بداية عام 2025. وبالتالي، فإن انخفاض سعر الفائدة الرسمي في الولايات المتحدة سيؤدي إلى انخفاض سعر الفائدة في المملكة العربية السعودية بسبب الريال السعودي كونها مرتبطة بالدولار الأميركي وهذا من شأنه أن يعزز المزيد من النمو الاقتصادي.

أما بالنسبة للسياسة المالية السعودية وتأثيرها على النمو الاقتصادي، فلا بد من الإشارة إلى أن الميزانية السعودية لعام 2024 شهدت بعض التخفيض في الإنفاق العام لدعم الاقتصاد. وتشير الميزانية السعودية إلى أن السياسة المالية ستخفض دعمها للاقتصاد في عام 2024 عما كانت عليه خلال العامين السابقين حيث ارتفع الإنفاق الحكومي بأكثر من 20%. إلا أن الميزانية السعودية أظهرت بوضوح أن إنفاق صندوق الاستثمارات العامة سيزيد أكثر خلال عام 2024. وعلى الرغم من هذه الإجراءات، تجاوزت مستويات الإنفاق الحكومي الحالية ما تم الإعلان عنه في الميزانية حسب الإصدارات الحكومية. ويساهم هذا الإنفاق الحكومي في تحقيق المزيد من النمو حيث تعمل أنشطة التدفق النقدي على تعزيز النمو الاقتصادي.

وفي الختام، أظهرت المملكة العربية السعودية تقدماً هائلاً في التنفيذ الناجح لإصلاحاتها الرئيسية التي تعهدت بها لتعزيز الأطر القانونية والتنظيمية، وتطوير قطاعات جديدة للاقتصاد وتطوير الأسواق المالية وتشجيع الاستثمار الأجنبي وزيادة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل. كما أظهرت المملكة العربية السعودية نجاحًا كبيرًا وتقدمًا في مشاريع رؤيتها لعام 2030. ويشير التحليل الذي أجراه صندوق النقد الدولي إلى أن هذه الإصلاحات والمشاريع الاستثمارية لرؤية 2030 ساهمت حتى الآن بتعزيز النمو الاقتصادي في القطاع غير النفطي. علاوة على ذلك، من المعقول افتراض أن هذين العاملين سيؤديان لبعض التأثيرات الإيجابية الملحوظة على الاقتصاد في العام 2025. وبينما يصعب التنبؤ بحجم هذا التأثير على وجه التحديد بسبب الأزمات الجيوسياسية الدولية، يبدو صندوق النقد الدولي متأكدًا من أن التوقعات أكبر للاقتصاد السعودي في العام 2025.