تداعيات زيارة الرئيس ترامب لدول الخليج

قام الرئيس دونالد ترامب برحلة مهمة إلى منطقة مجلس التعاون الخليجي، بدأها بالمملكة العربية السعودية، ثم قطر، واختتمها بالإمارات العربية المتحدة. تُعد هذه الزيارة الثانية للمملكة، بينما تُعتبر أول زيارة لرئيس أمريكي إلى الإمارات. وقد مثّلت هذه الرحلة آفاقًا مستقبلية واعدة للتعاون الاقتصادي بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي. وتمثل هذه الزيارة، التي اتخذت العديد من الإجراءات، نجاحًا من جميع النواحي، حيث تم توقيع العديد من الاتفاقيات الاستثنائية. ويعتبر العديد من المراقبين هذه الرحلة تاريخيةً نظرًا لحجم الاتفاقيات التي تم التوصل إليها. وبشكل عام، يؤكد اختيار هذه الدول المهمة للطاقة تقدير الولايات المتحدة لأهميتها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية للعالم.

دعونا نتذكر الأهمية الكبيرة لدول مجلس التعاون الخليجي في سوق الطاقة الدولي وتأثير هذه الدول في تشكيل البنية التحتية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدول الشرق الأوسط. حيث تعد المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر عشرين اقتصادًا من حيث الناتج المحلي الإجمالي وأكبر مصدر للنفط الخام. بالإضافة إلى ذلك، تعد قطر من أكبر موردي الغاز إلى العالم. في غضون ذلك، تعتبر قطر والإمارات العربية المتحدة من أغنى دول العالم من حيث دخل الفرد. مع هذه الزيارة، بدأت الولايات المتحدة في التواصل مع شركائها الدوليين للمساعدة في تحسين اقتصادها ومساعدة شركاتها على أن تصبح أكثر تنافسية وتعزيز إيراداتها وإنتاجيتها على الصعيد الدولي. كما حقق ترامب من خلال زيارته لمجلس التعاون الخليجي رسالة واضحة إلى جمهورية إيران الإسلامية معلنًا عن وجود قوي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والخليج.

في حين أن زيارة الرئيس دونالد ترامب إلى دول مجلس التعاون الخليجي هدفت في المقام الأول إلى خلق فرص ومزايا اقتصادية هائلة، تشمل اتفاقيات تجارية وشراكات كبرى في مجالات سياسات الطاقة، والبنية التحتية النووية السلمية، وصفقات دفاعية كبرى تتعلق بالأمن الإقليمي، فقد شهدت المنطقة إنجازات كبرى، منها رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، وتخفيف التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، وفتح الباب أمام المزيد من المفاوضات السلمية لحل أزمات الشرق الأوسط المتفاقمة. كما تؤكد الزيارة رغبة الولايات المتحدة القوية في وقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا من خلال الترحيب بالقمة في تركيا بين الجانبين الروسي والأوكراني.

بمراجعة الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي قبل زيارة الرئيس ترامب، يتضح جليًا أنه كان قويًا للغاية من جميع النواحي، معبرًا عن اتجاهات تجارية نشطة وروابط استثمارية متينة ساهمت بشكل كبير في نمو كلا الطرفين الاقتصادي. ومن الأمثلة على هذه المساهمة تجارة السلع للأعوام 2022 و2023 و2024، والتي قُدِّرت قيمتها بحوالي ثمانين مليار دولار في الميزان التجاري للولايات المتحدة، بالإضافة إلى تركيبة التجارة البينية التي تعكسها جوهر صادرات دول مجلس التعاون الخليجي النفطية الخام إلى الولايات المتحدة مقارنةً بواردات المركبات والأجهزة والإلكترونيات والطائرات منها، على الرغم من التكلفة المرتبطة بالاستيراد، مثل تكلفة الشحن، نتيجةً لبعد المسافة بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة.

كانت المحطة الأولى في زيارة الرئيس ترامب لدول مجلس التعاون الخليجي هي الرياض، عاصمة المملكة العربية السعودية، حيث وقّع سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية الرئيسية، مما عزز العلاقات الثنائية والتاريخية، وأكد على الصداقة العميقة بين البلدين. وفي المجمل، منح الرئيس ترامب بلاده فرصًا استثمارية بلغت قيمتها حوالي ستمائة مليار دولار، مما سيساهم في نمو الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الأمريكي، وخلق فرص عمل، وإنعاش الوضع الاقتصادي العام. وتشمل هذه الاتفاقيات صفقات دفاعية، حيث وقّع الرئيس ترامب صفقة شراء تاريخية لأسلحة عسكرية بقيمة 142 مليار دولار، وهي أكبر تعاون عسكري في تاريخ الولايات المتحدة مع دولة أجنبية. وتتألف الاتفاقية من عدة عقود مع العديد من الشركات الأمريكية المصنعة للأسلحة والمعدات العسكرية، والتي تشمل أسلحة الدفاع الصاروخي، وتقنيات الفضاء، والأمن البحري، وأنظمة الاتصالات.

بشكل عام، وقّع الرئيس ترامب وولي العهد السعودي شراكة اقتصادية استراتيجية تُركّز على التعاون الوثيق وتبني عليه، مع التركيز على قطاعات مهمة مثل الطاقة، واستكشاف الفضاء، والاتصالات، والصحة، والتعدين، والدفاع، والتكنولوجيا. وتعهدت المملكة، ممثلةً بولي العهد، باستثمار ستمائة مليار دولار في الولايات المتحدة. وُقّعت الشراكة الاستراتيجية خلال تجمع ضخم لأكبر بنوك الاستثمار في العالم، ورؤساء تنفيذيين لكبرى الشركات العالمية مثل تسلا، وميتا، ونيفيا، وإيه إم دي، وبلاك روك، وبالانتير. بالإضافة إلى مستثمرين سعوديين محليين مثل صندوق الاستثمارات العامة السعودي.

كانت المحطة الثانية من زيارة الرئيس ترامب لدول مجلس التعاون الخليجي هي الدوحة، عاصمة قطر، حيث استقبله سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر. وفي قطر، وقّع الرئيس ترامب اتفاقيات اقتصادية ثنائية ضخمة بلغت قيمتها 1.2 تريليون دولار، مما سيعود بالنفع على البلدين ويعزز تعاونهما. وجاء توقيع الاتفاقيات في الديوان الأميري القطري بعد اجتماع مطول بين الزعيمين، مؤكدًا متانة العلاقات الثنائية الراسخة بين البلدين. كما ناقشا الأزمات الراهنة في الشرق الأوسط، والمتعلقة بمحادثات إيران النووية، ورفع العقوبات عنها، ومحادثات إنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا.

أما المحطة الثالثة من زيارة الرئيس ترامب لدول مجلس التعاون الخليجي، فكانت أبوظبي، عاصمة الإمارات العربية المتحدة، حيث استقبله سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة. وقد التزمت الإمارات باستثمار 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات العشر المقبلة. وستُخصص هذه الاستثمارات بشكل رئيسي لقطاعات التكنولوجيا، مثل البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وتصنيع الرقائق، وتعزيز توليد الطاقة، وغيرها من قطاعات الاتصالات. يهدف هذا الاستثمار الضخم بشكل رئيسي إلى تعزيز التقدم التكنولوجي لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتعزيز التعاون الاقتصادي الثنائي بين البلدين. ويشمل الاستثمار اتفاقية لبناء أكبر مجمعات مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في العالم في العاصمة الإماراتية أبوظبي. وستكون شركة إنفيديا، عملاق الذكاء الاصطناعي الرائد، المساهم الرئيسي في هذا المشروع. ويمثل مشروع مجمعات مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي جزءًا من طموح دولة الإمارات العربية المتحدة المستقبلي لتنويع اقتصادها، لتصبح مركزًا تكنولوجيًا رائدًا على مستوى العالم.

علاوةً على ذلك، أعلنت الإمارات العربية المتحدة عن خطط جديدة لتعزيز استثماراتها في مجال الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 440 مليار دولار أمريكي بنهاية عام 2035، وهو ما يفوق بكثير الاستثمار الأصلي البالغ 70 مليار دولار أمريكي. وستشمل هذه الاستثمارات مشاريع المنبع للنفط والغاز وغيرها من مشاريع الطاقة ذات الصلة. أما على صعيد التجارة، فبعد التوترات التجارية العالمية الحالية، وقّعت الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة اتفاقية تعريفة جمركية تهدف إلى تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي، بالإضافة إلى تبادل الخبرات الجمركية الثنائية.

باختصار، فاقت زيارة الرئيس ترامب لدول مجلس التعاون الخليجي كل التوقعات. لقد كانت زيارة ناجحة للغاية فاقت كل توقعات المحللين. ولإثبات ذلك، دعونا نلخص هذه الإنجازات:

  • تعهدت المملكة العربية السعودية باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، إيذانًا بعهد تاريخي جديد من الشراكة بين بلدينا.
  • وقّع الرئيس ترامب اتفاقية مع قطر لتعزيز التبادل الاقتصادي بقيمة لا تقل عن 1.2 تريليون دولار. بالإضافة إلى ذلك، أعلن عن صفقات اقتصادية مع قطر تجاوز مجموعها 243.5 مليار دولار، بما في ذلك صفقة تاريخية لبيع طائرات بوينغ ومحركات جنرال إلكتريك للخطوط الجوية القطرية.
  • تعهدت الإمارات العربية المتحدة باستثمار 1.4 تريليون دولار في الولايات المتحدة على مدى السنوات العشر المقبلة. كما أعلن الرئيس ترامب عن صفقات تجارية تجاوز مجموعها 200 مليار دولار بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة.

بشكل عام، أبرم السيد ترامب اتفاقيات استثمارية تجاوزت قيمتها تريليوني دولار مع هذه الدول الثلاث الأغنى في مجلس التعاون الخليجي، مما ساهم في تأمين مستقبل الاقتصاد الأمريكي، وفي الوقت نفسه، في إنعاش النمو الاقتصادي لأسرع الاقتصادات نموًا في الشرق الأوسط.