دور استقرار الاقتصاد السعودي في نمو الاستثمار الأجنبي المباشر

بالتوازي مع استمرار الضغط على التجارة العالمية بفعل التوترات الجيوسياسية وضعف الطلب العالمي وتشديد السياسات النقدية والمالية، يترقب الاقتصاديون ركودًا اقتصاديًا عالميًا. ومع ذلك، يبرز الإقتصاد السعودي كأسرع الاقتصادات نموًا واستقطابًا في العالم. فكيف ينعكس استقراره وازدهاره على الإستثمار الأجنبيّ المباشر؟

نظرة على الإقتصاد العالمي

من المتوقع أن ينمو حجم التجارة العالمية في السلع والخدمات ليحقق نسبة 2.3 في المائة بحلول عام 2024. ويتوقع الاقتصاديون أن الركود الاقتصادي العالمي الكليّ سيبدأ في أواخر عام 2023 وسيستمر حتى الربع الاول من العام 2024. وفي الوقت نفسه، يترقب الاستراتيجيون الأميركيون حدوث ركود كبير في الربع الرابع لعام 2023 قبل التعافي في عام 2024. وبالنسبة للإستراتيجيين، قد يضرّ انخفاض التضخّم بالهوامش إلى جانب الإفراط في التفاؤل بشأن التأثير الإيجابي للذكاء الاصطناعي.

مستقبل الإقتصاد السعودي

لقد شهد الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية، ارتفاعًا بنسبة 3.8٪ على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2023، مقارنة بنمو نسبته 3.9٪ في القراءة الأولية وبعد ارتفاع بنسبة 5.5٪ في الربع الرابع من عام 2022. ويعزى ذلك لانخفاض أسعار النفط الخام في الربع الأول من عام 2023 نتيجة التباطؤ الاقتصادي العالمي.

أما بالنسبة لمستقبل الاقتصاد السعودي، فيرتقب أن يشهد نموًا بنسبة 3.3٪ و2.5٪ على التوالي في عامي 2024 و2025، حسب تقرير صدر مؤخرًا عن البنك الدولي. وأشار التقرير إلى أن هذا النمو سيكون مدفوعًا بالاستثمارات الحكومية واستمرار النشاط القوي في قطاع الخدمات. ونظرًا لأن قطاع تصدير النفط الخام والصناعات المرتبطة به يهيمن على اقتصاد المملكة العربية السعودية، تعتمد الدورة الاقتصادية في المملكة على حركة وتقلب أسعار النفط صعودًا وهبوطًا.
ونظرًا للاحتياطيات النفطية، تحتل المملكة المرتبة الأولى دوليًا، بحوالي خمس الاحتياطيات المعروفة في العالم (حوالي 17 في المائة) كما أنها تحتل المرتبة الأولى في تصدير النفط الخام على مستوى العالم.

وتمثل صادرات النفط السعودية نحو 87 في المائة من الإيرادات الحكومية. وتعدّ المملكة أكبر مصدر للنفط الخام في العالم ورائدة في "أوبك" مع أعلى نسبة من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم. وعدا عن البترول، تشمل الموارد الطبيعية الأخرى للمملكة، الغاز الطبيعي وخام الحديد والذهب والنحاس.
ويتوقع أن تحتل المملكة قائمة الاقتصادات الرئيسية الأسرع نموًا في العالم في عام 2023، حيث ينمو قطاعها غير النفطي بأسرع معدل وبنسب أعلى من المتوسط العالمي منذ أكثر من عام، وهذا ما دفع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لتعديل توقعات النمو الاقتصادي للمملكة إلى 2.9٪ لهذا العام.

وعلى المستوى المحلي، يعكس الإقتصاد الكثير من الايجابيات حيث انخفض معدل البطالة بين السعوديين إلى أدنى مستوى له منذ بدء تسجيل البيانات في عام 1991. وانخفض هذا المعدل من 9.9 في المائة في عام 2022 إلى 8 في المائة في الربع الرابع من عام 2022، وفقًا لمسح القوى العاملة من قبل الهيئة العامة للإحصاء. ونتج هذا الانخفاض الملحوظ عن التأثير المزدوج لانخفاض المشاركة في القوى العاملة ولنمو العمالة في الوقت نفسه.

بالإضافة إلى ذلك، تم بناء أكثر من 200,000 وحدة سكنية على مدى السنوات الخمس الماضية. وبلغت النفقات الحكومية الفعلية خلال الخطة الثانية 200 مليار دولار أميركي، أي ما يزيد بنحو 40 في المائة عن الرقم المخطط له ونحو عشرة أضعاف مستوى الخطة الأولى.

أما فيما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية، نفّذت المملكة العربية السعودية أكثر من 600 إصلاح منذ إطلاق مخطط رؤية التنمية المستدامة 2030، في محاولة لجذب 12.4 تريليون ريال سعودي (3.3 تريليون دولار) من الاستثمارات التراكمية و1.8 تريليون ريال سعودي من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر بين عامي 2021 و2030 كجزء من استراتيجية الاستثمار الوطنية. وحققت المملكة زيادة بنسبة 18 في المائة في الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2020، حتى مع انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي بنسبة 35 في المائة بسبب جائحة كورونا.

وتصدّرت المملكة بصفتها واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في العالم، مؤشر ثقة المستهلك العالمي ( Ipsos) في مايو 2022 متقدمة على 22 دولة. وأصبحت المملكة حاليًا الدولة الأسرع نموًا بين مجموعة الدول العشرين، بمعدل نمو يبلغ 7.6٪، وفقًا لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي في 2022. بالإضافة إلى ذلك، سجّل ارتفاع في مؤشر الإنتاج الصناعي (IPI)، بنسبة 24 في المائة على أساس سنوي في مايو 2022، مع نمو التصنيع بأكثر من 28 في المائة. وتأتي هذه الأرقام كنتيجة مباشرة لجهود التنويع النشطة للحكومة.

أما بالنسبة لتدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في عام 2021، ارتفع بنسبة 257 في المائة مقارنة بعام 2020 مدفوعًا إلى حد كبير بصفقة بنية تحتية بقيمة 46.5 مليار ريال سعودي أبرمتها شركة "أرامكو" مع تحالف مستثمر عالمي في الربع الثاني من عام 2021. وزاد تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر في الربع الأول من عام 2022 بنسبة 10 في المائة إلى 7.4 مليار ريال سعودي مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وستصبح المملكة واحدة من أكثر الاقتصادات تنافسية في العالم ومن أكثر وجهات الاستثمار جاذبية بحلول عام 2030، بالتوازي مع ارتفاع نسب المعاملات الرقمية في المملكة العربية السعودية، بما يتماشى مع أهداف الحكومة المتمثلة برقمنة 70 بالمائة من جميع المعاملات بحلول عام 2025.

أخيرًا، ستصبح السياحة قريبًا أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد السعودي مع استمرار جهود التنويع الاقتصادي. وفي هذا السياق، أصدرت المملكة بالفعل أكثر من 3500 رخصة استثمار سياحي، في قفزة حاسمة بإتجاه مساهمة السياحة بـ 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي الوطني بحلول عام 2030. ومن المرتقب أن تستقطب المملكة أكثر من 100 مليون سائح عام 2030 كما ستضيف الناقلة الوطنية للمملكة العربية السعودية 94 وجهة جديدة لاستقطاب الزوار. وبالتوازي مع هذه الطفرة السياحية، تُفتح الأبواب أمام مليون فرصة عمل جديدة في القطاع.